
عقد مجلس نواب الشعب اليوم الاثنين 12 ماي 2025، جلسة عامة برئاسة السيد إبراهيم بودربالة رئيس مجلس نواب الشعب وبحضور السيد وجدي الهذيلي وزير أملاك الدولة والشؤون العقارية والوفد المرافق له، وتضمّن جدول الاعمال إجراء حوار مع وزير أملاك الدولة والشؤون العقارية وذلك تزامنا مع إحياء ذكرى الجلاء الزراعي.
و تمّ ضبط محاور النقاش العام تبعا لقرار مكتب المجلس بتاريخ 08 ماي 2025 على النحو التالي:
– برنامج الوزارة لتجاوز الصعوبات المتعلّقة باستغلال الأراضي الاشتراكية وبحسن توظيف العقارات الفلاحية ومدى التقدّم في برامج الرقمنة الشاملة للعقارات الدولية وفي مشروع جرد ورقمنة العقارات الدولية الفلاحية على وجه الخصوص.
– مشاريع الوزارة في مجال ضبط أملاك الدولة العامة والخاصة المنقولة وغير المنقولة وإقامة جرد لها والخطط المتبعة لحفظها وإحكام التصرف فيها.
– خطة الوزارة لفضّ مختلف الإشكاليات المعرقلة والمعطّلة لإنجاز المشاريع في شتى المجالات، واستراتيجيتها المتعلّقة بتسوية وضعية التجمعات السكنية المقامة على أراض من أملاك الدولة بمختلف جهات البلاد.
– البرامج والإجراءات المتعلّقة بحوكمة عمليات التسجيل العقاري وبمزيد ترشيد الاختبارات التي تقوم بها المصالح المختصة وفقا للتشريعات سارية المفعول.
– الإصلاحات التشريعية في مجال أملاك الدولة والشؤون العقارية.
وفي مستهلّ الجلسة العامة، القى رئيس مجلس نواب الشعب كلمة تأبين خصّ بها روح الفقيد الدكتور نبيه ثابت، نائب الشعب عن ولاية توزر (دائرة دقاش-حامة الجريد-تمغزة) ورئيس لجنة الصحة وشؤون المرأة والأسرة والشؤون الاجتماعية وذوي الإعاقة، الذي وافته المنيّة يوم الجمعة 09 ماي 2025.
وعبّر رئيس المجلس، عن عميق ألمه اثر فراق زميل عزيز عُرف بخصاله النبيلة، ووفائه للعمل البرلماني، وإيمانه العميق بجسامة المسؤولية الملقاة على عاتقه، وحرصه الدائم على تقديم الإضافة، لا سيما في مجال اختصاصه.
وأشار إلى أنّ الفقيد كان مفعمًا بروح وطنية مخلصة، مدركًا لما يتطلبه النهوض بالقطاع الصحي من جهد مضاعف وعمل دؤوب يُلامس مختلف الرهانات، ويسهم في التصدي للتحديات، خصوصًا تلك المرتبطة بانتظارات ومشاغل أهل القطاع ومكوّنات الأسرة الصحية، انطلاقًا من تجربته المهنية الثرية، وقناعته الراسخة بحتمية الإصلاح، وبأهمية دور العنصر البشري في التجديد والتطوير.
وجدّد رئيس المجلس، أصالة عن نفسه ونيابة عن الأسرة البرلمانية الموسّعة، تعازيه الصادقة ومواساته إلى عائلة الفقيد وذويه وأصدقائه، سائلا الله العليّ القدير أن يتغمّد الفقيد بواسع رحمته، ويسكنه فسيح جناته، وأن يلهم أهله وذويه جميل الصبر والسلوان. وقد دعا رئيس المجلس الحضور إلى تلاوة فاتحة الكتاب ترحّمًا على روحه الطاهرة.
وفي علاقة بجدول أعمال الجلسة العامة، أكّد رئيس مجلس نواب الشعب رمزية هذا التاريخ الذي يوافق ذكرى إمضاء وثيقة الجلاء الزراعي من قبل الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة في 12 ماي 1964 بقصر باردو، معتبرا أن هذا الحدث مهّد الطريق نحو استرجاع الأراضي الفلاحية التي كانت على ملك المستعمر، بما يحمله من دلالات عميقة في دعم مقوّمات السيادة الوطنية بمختلف تجلياتها، وهي سيادة أضحت، منذ 25 جويلية 2021، من أبرز مرتكزات الجمهورية الجديدة.
واكّد رئيس المجلس، في ذات السياق، أنّ إحياء ذكرى الجلاء الزراعي يُعدّ مناسبة لاستحضار معاني استرداد الشعب التونسي لسيادته على الرصيد العقاري الفلاحي الوطني، مشدّدا على أهمية المحافظة على مختلف مكوّنات هذا الرصيد، خاصة الفلاحي منه، وعلى الأدوار الحيوية التي تضطلع بها وزارة أملاك الدولة والشؤون العقارية، لا سيما فيما يتعلّق بضبط وتحديد وحماية الملك العام والخاص للدولة، ووضع آليات ناجعة للحفاظ على الثروة العقارية من الضياع والإهمال والاستغلال غير المشروع.
كما نوّه رئيس المجلس بجسامة المهام الموكولة لهذه الوزارة، بما يستوجب جهودًا مضاعفة في مجال رقمنة الخدمات وتطويرها وتقريبها من المواطن، مؤكدا في الآن ذاته أن هذا المسار يُعدّ مسؤولية وطنية جامعة، تستدعي تعميق التفكير في أفضل السبل لتوظيف الرصيد العقاري الدولي توظيفًا أمثل، بما يجعله رافعة حقيقية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في مختلف جهات البلاد، ويضمن تكييف الموارد العقارية مع متطلبات المشاريع والأولويات الوطنية، سواء في طور الإنجاز أو المزمع تنفيذها، بما يسهم في تحقيق تنمية عادلة وشاملة ومتوازنة.
وقد فُسِح المجال للنقاش العام، حيث عبّر النواب عن انشغالات المواطنين في مختلف الجهات، وتطرّقوا إلى جملة من الإشكاليات والتوصيات ذات الصلة بالرصيد العقاري الوطني، فيما يلي أبرزها:
· الدعوة إلى تسوية الوضعية القانونية لعديد الأراضي العقارية، بما يُنهي حالات التصرّف غير المنظم ويعزّز استغلالها في إطار قانوني وشفاف.
· المطالبة بتسوية وضعية المجامع السكنية المقامة على أراضٍ دون صفة قانونية، والعمل على إدماجها في النسيج العمراني المنظّم، بما يضمن حقوق المتساكنين ويعزز السلم الاجتماعي.
· دعوات متكرّرة لتسوية وضعية الأراضي الراجعة بالنظر للدولة في المناطق الغابية، وذلك بما يحترم خصوصيات الملك الغابي ويحقق توازناً بين حماية البيئة وحاجيات التنمية.
· ضرورة التسريع في جرد شامل ودقيق لأملاك الدولة العقارية، بالتنسيق مع كل الوزارات المتدخّلة في المجال.
· ضرورة تحيين الخريطة العقارية والفلاحية بشكل دوري، بما يجعل منها أداة استراتيجية فعّالة تُسهم في تحسين التخطيط المجالي وحوكمة التصرّف في الأراضي، وتُعزّز نجاعة استغلال الرصيد العقاري والفلاحي في خدمة التنمية المستدامة.
· اقتراح تخصيص عدد من المقاطع العقارية المعدّة للسكن، بهدف الضغط على كلفة السكن ومجابهة ظاهرة البناء الفوضوي التي باتت تهدد التوازن العمراني والاجتماعي.
· دعوات إلى تمكين الشباب من أراضٍ دولية لبعث مشاريع ذات طابع اجتماعي وثقافي، في إطار رؤية شاملة للعدالة العقارية والتنمية المجتمعية.
· المطالبة بإسناد أراضٍ فلاحية لفائدة الشباب، وتيسير الإجراءات اللازمة لاستغلالها في أنشطة زراعية منتجة تساهم في تحقيق الأمن الغذائي وفي الحدّ من البطالة.
· التنديد باستمرار العراقيل البيروقراطية التي تحول دون إنجاز مشاريع بسيطة، على غرار إقامة خزانات مياه للفلاحة أو الشرب، والمطالبة بتبسيط المسارات الإدارية في هذا المجال.
· تأكيد ضرورة تسوية وضعية أملاك الأجانب، ووضع آليات قانونية واضحة لاسترجاعها أو إدماجها ضمن التصرف العمومي الرشيد.
· الدعوة إلى اتخاذ إجراءات استباقية بخصوص البنايات المتداعية للسقوط، وخاصة تلك التي تأوي عائلات معوزة، مع ضمان عدم المساس بحقوق المتساكنين وتمكينهم من حلول بديلة تحفظ كرامتهم.
· الإسراع في تسليم شهائد الملكية للمواطنين، بما يسهّل الاستثمار الفلاحي والعقاري، ويعزز ثقة المواطن في مؤسسات الدولة.
· دعوات لفتح ملفات دقيقة تشمل التمكين غير القانوني من الملك العمومي والاستيلاء علي أملاك الدولة من قبل أطراف نافذة.
· المطالبة باستئناف التسجيل العقاري باعتباره خطوة ضرورية لتكريس الحقوق وضمان الاستقرار العقاري.
· التنبيه إلى خطورة التدخلات غير المشروعة في المنظومات الرقمية الخاصة بالملك العقاري، عبر عمليات تدليس إلكتروني لتغيير الوضعيات القانونية للأملاك.
· المطالبة بتسوية وضعية أراضي “الحبس” ومعالجة الإشكاليات المرتبطة بها، قصد استغلالها في مجالات التنمية والاستثمار.
· الدعوة إلى رفع التجميد عن الأراضي الاشتراكية قصد إدماجها في الدورة الاقتصادية، بما يتيح استثمارها في مشاريع تنموية تواكب حاجيات الجهات وتسهم في تحقيق التنمية المستدامة.
ثمّ تولى وزير أملاك الدولة والشؤون العقارية تقديم جملة من التوضيحات ردًّا على مداخلات النواب، مبيِّنًا في مستهل كلمته أن الجلسة العامة شكّلت فرصة لتقديم ملامح خطة عمل الوزارة التي تندرج ضمن السياسة العامة للدولة بأبعادها الاجتماعية والاقتصادية، خصوصًا وأنها تزامنت مع إحياء ذكرى الجلاء الزراعي، التي تمثل محطة مفصلية في مسار استرجاع السيادة على الأراضي الفلاحية التونسية.
وأكد الوزير حرص الوزارة على حسن توظيف الرصيد العقاري الوطني سواء الفلاحي وغير الفلاحي، عبر مقاربة جديدة تهدف إلى تثمين هذه الأملاك وتوظيفها بما يخدم التنمية. وبيّن أن المساحة الجملية للأراضي الدولية تناهز 500 ألف هكتار، وأن الوزارة تعمل على استعادة الدور الاجتماعي للدولة في مجال السكن، وذلك من خلال تمكين الشركات الوطنية المختصة في المجال العقاري من أراضٍ على ملك الدولة بأسعار تفاضلية، لتوفير مناطق عمرانية مهيّأة، مع تخصيص 50% من المقاسم لفائدة الفئات محدودة الدخل.
كما أشار إلى تواصل عملية التفويت في بعض العقارات الدولية بالدينار الرمزي، بهدف إنجاز مشاريع سكنية وتعويض المساكن البدائية، إلى جانب التفويت في الأراضي التابعة للملك الخاص للدولة، أيضًا بالدينار الرمزي، من أجل إحداث مناطق صناعية وأقطاب تكنولوجية، وقد بلغت المساحات المفوّت فيها إلى اليوم نحو 420 هكتارًا.
وأبرز الوزير البعد الأفقي لوزارة أملاك الدولة ودورها المحوري في مجالات متعددة على غرار الصحة والطاقة والفلاحة، وهي مسائل عكستها بشكل واضح تساؤلات النواب. وبخصوص إشكالية التجمعات السكنية، وأوضح الوزير أن هذه الأخيرة قائمة على أراض تابعة للملك الخاص للدولة تم الاستيلاء عليها خلال فترات سابقة، وجاء الأمر الحكومي عدد 504 لتسوية هذه الوضعيات وفق شروط واضحة، بعد أن كانت ترفض في وقت سابق. وبيّن أن هناك اليوم حوالي 1200 تجمع سكني يضمّ ما يقارب 150 ألف مسكن، وهي عقارات مجمّدة خارج الدورة الاقتصادية نظرًا لعدم توفر شهائد ملكية لمستغليها.
كما أشار إلى أن مشروع تسوية التجمعات السكنية يتطلّب موارد مالية هامة، مع ملاحظة ضعف تجاوب المواطنين رغم توفر أمثلة هندسية جاهزة، وهو ما يستوجب إيجاد حلول عملية وجماعية لتحريك هذا الملف الحيوي.
وبيّن أن الوزارة اقترحت تصوّراً جديداً يتضمّن جملة من الحلول الجريئة لمعالجة ملف التجمعات السكنية، من بينها التغيير الآلي لصبغة العقارات المندرجة ضمن هذه التجمعات، بما ييسّر إجراءات تسويتها. وأوضح أنه سيتم إعداد قائمات في مالكي العقارات المكوّنة للتجمع السكني، ولا يُمكن للمالك التفويت في العقار إلا بعد استخلاص معلوم رمزي وزهيد. واعتبر الوزير أن الأمر الحكومي عدد 504 يمثل خطوة جريئة تهدف إلى تحقيق السلم الاجتماعي وإدماج هذه العقارات في الدورة الاقتصادية.
وفيما يتعلق بأملاك الأجانب، أشار الوزير إلى أن ما يقارب 8000 عقار مسجل على ملك الأجانب، وقد تم تسوية وضعية نحو 4000 منها إلى حد الآن، مع الإشارة إلى وجود لجنة متخصصة صلب الوزارة تُعنى بمتابعة هذا الملف الحيوي، كما كشف عن وجود توجّه لمراجعة النص القانوني المنظّم للتصرف في ملك الأجانب، بما يتماشى مع المستجدات ويضمن الحوكمة الرشيدة.
وأوضح الوزير أن لجان التصرف في الأراضي الاشتراكية تنتهي مهامها بمرور خمس سنوات، مشيراً إلى أنه، وبتعليمات من رئيس الجمهورية، تم إحداث لجنة قيادة تُعنى بوضع تصوّر واضح لكيفية تعامل المحكمة العقارية مع هذا الصنف من الأراضي. وأفاد بأن مشروع النص القانوني المتعلق بهذا الملف قد أُنجز وتم توزيعه على مختلف الأطراف المعنية لإبداء آرائها وملاحظاتها بشأنه.
وفي سياق متّصل، ذكّر الوزير بأن القانون الصادر سنة 1995 يمنع التفويت في العقارات الفلاحية الراجعة بالنظر إلى ملك الدولة، غير أن الوزارة تقدّمت بمقترح يسمح بتمكين الشركات الأهلية من التصرف في هذه الأراضي، وذلك ضمن مقاربة تنموية جديدة تقوم على توفير تسهيلات في الدفع، بما يُعزز استغلال هذه الأراضي في الدورة الاقتصادية ويخدم أهداف التنمية المستدامة.
وأشار الوزير إلى أنّ الوزارة تعمل على مشروع طموح لرقمنة العقارات الدولية من خلال إحداث خريطة رقمية متكاملة، مبرزاً أن هذا البرنامج متواصل بوتيرة تغطي حوالي 10 آلاف هكتار سنوياً، وذلك حسب الإمكانيات والموارد المتوفرة. وأوضح أن هذا المسار الرقمي من شأنه أن يوفّر معطيات دقيقة ومفيدة، شرط توفّر الإمكانيات التقنية والمالية اللازمة.
أما فيما يتعلّق بالتسجيل العقاري، فقد شدّد الوزير على أنّه يمثل صيانة قانونية ضرورية، تُعتمد فيها آلية الشهر العيني، التي تُعدّ من أنجع وسائل حماية ملك الدولة. وأضاف أنّ المشرّع التونسي قد أدرك مبكراً أهمية هذه الحماية القانونية، من خلال إدخال نظام المسح العقاري منذ ستينات القرن الماضي، بما يضمن الحفاظ على الرصيد العقاري الوطني وتثمينه.
وأكّد وزير أملاك الدولة والشؤون العقارية أنّ الوزارة تبذل جهوداً حثيثة للارتقاء بمؤسسة المكلّف العام بنزاعات الدولة، التي تُعتبر من أبرز المؤسسات القانونية الأفقية، وتضمّ كفاءات متميزة. وأشار إلى أنّ الوزارة تعمل على تسجيل العقارات التابعة للدولة بصفة مجانية في إطار “صندوق دعم الرصيد العقاري”، باعتبار أنّ التسجيل هو السبيل الأنجع لحماية الملك العمومي، خاصة وأنّ العقارات المسجّلة لا تخضع لقاعدة الحيازة، في حين تُسجَّل يومياً محاولات للاستيلاء على أراض غير مسجّلة، وهوما يجعل من التسجيل أولوية قصوى.
وأوضح وزير أملاك الدولة والشؤون العقارية أن عملية جرد عقارات الدولة تتم ميدانياً، من خلال تنقّل الفرق الفنية المختصة على عين المكان للتثبّت من ملكية الدولة للعقار وتقييمه في الآن نفسه.
وفيما يتعلّق بملف المصادرة، أفاد الوزير بوجود لجنتين تعملان في هذا المجال، الأولى صلب وزارة أملاك الدولة، والثانية تابعة لوزارة المالية ويُعدّ الوزير عضواً فيها. وأكّد أن هذه اللجان ، اتّخذت قرارات هامة وتواصل النظر في عدد من الملفات. كما أشار إلى وجود مشروع قانون يهدف إلى دمج لجنة التصرف الحالية وإحداث لجنة قارة تُعنى حصرياً بإدارة العقارات المصادرة لضمان نجاعة التصرف وتعزيز الشفافية. كما استعرض وزير أملاك الدولة والشؤون العقارية مجهودات الوزارة في تنقيح وتطوير عدد من النصوص القانونية والترتيبية ذات العلاقة، بهدف تسوية الوضعيات العقارية العالقة، ورفع العراقيل الإدارية والتشريعية، وذلك في إطار مقاربة شاملة تجعل من العقار رافعة حقيقية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، ووسيلة لدعم الاستثمار وتعزيز العدالة العقارية والإنصاف في مختلف جهات البلاد.